responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 523
فَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَجَابَهُمُ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ الِاقْتِرَاحِ فَلَعَلَّهُمْ يَقْتَرِحُونَ اقْتِرَاحًا ثَانِيًا، وَثَالِثًا، وَرَابِعًا، وَهَكَذَا إِلَى مَا لَا غَايَةَ لَهُ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الدَّلِيلُ وَلَا تَتِمَّ الْحُجَّةُ، فَوَجَبَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ سَدُّ هَذَا الْبَابِ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْقَاهِرَةِ وَالدَّلَالَةِ الْبَاهِرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ، فَلَوْ لَمْ يُؤْمِنُوا عِنْدَ ظُهُورِهَا لَاسْتَحَقُّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ، فَاقْتَضَتْ رَحْمَةُ اللَّه صَوْنَهُمْ عَنْ هَذَا الْبَلَاءِ فَمَا أَعْطَاهُمْ هَذَا الْمَطْلُوبَ رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ كَيْفِيَّةَ هَذِهِ الرَّحْمَةِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ: وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَطْلُبُونَ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ لَا لِطَلَبِ الْفَائِدَةِ بَلْ لِأَجْلِ الْعِنَادِ وَالتَّعَصُّبِ وَعَلِمَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَعْطَاهُمْ مَطْلُوبَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، فَلِهَذَا السَّبَبِ مَا أَعْطَاهُمْ مَطْلُوبَهُمْ لِعِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَمَّا طَلَبُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ وَالتَّعَصُّبِ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُعْطِيهِمْ مَطْلُوبَهُمْ وَلَوْ كَانُوا عَالِمِينَ عَاقِلِينَ لَطَلَبُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ طَلَبِ الْفَائِدَةِ، وَحِينَئِذٍ كَانَ اللَّه تَعَالَى يُعْطِيهِمْ ذَلِكَ المطلوب على أكمل الوجوه. واللَّه أعلم.

[سورة الأنعام (6) : آية 38]
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ النَّظْمِ، فَنَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنْزَالُ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ مَصْلَحَةً لَهُمْ لَفَعَلَهَا وَلَأَظْهَرَهَا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِظْهَارُهَا مَصْلَحَةً لِلْمُكَلَّفِينَ، لَا جَرَمَ مَا أَظْهَرَهَا. وَهَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى يُرَاعِي مَصَالِحَ الْمُكَلَّفِينَ وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، وَقَرَّرَهُ بِأَنْ قَالَ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ فِي وُصُولِ فَضْلِ اللَّه وَعِنَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ كَالْأَمْرِ الْمُشَاهَدِ الْمَحْسُوسِ فَإِذَا كَانَتْ آثَارُ عِنَايَتِهِ وَاصِلَةً إِلَى/ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ فَلَوْ كَانَ فِي إِظْهَارِ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُكَلَّفِينَ لَفَعَلَهَا وَلَأَظْهَرَهَا وَلَامْتَنَعَ أَنْ يَبْخَلَ بِهَا مَعَ مَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْخَلْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ بِمَصَالِحِهَا وَمَنَافِعِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا لَمْ يُظْهِرْ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ، لِأَنَّ إِظْهَارَهَا يُخِلُّ بِمَصَالِحِ الْمُكَلَّفِينَ. فَهَذَا هُوَ وَجْهُ النَّظْمِ وَالْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا واللَّه أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ: قَالَ الْقَاضِي: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْكُفَّارِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى اللَّه وَيُحْشَرُونَ بَيَّنَ أَيْضًا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ فِي أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ، وَالْمَقْصُودُ: بَيَانُ أَنَّ الْحَشْرَ وَالْبَعْثَ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ النَّاسِ فَهُوَ أَيْضًا حَاصِلٌ فِي حَقِّ الْبَهَائِمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَيَوَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَدِبُّ أَوْ يَكُونُ بِحَيْثُ يَطِيرُ فَجَمِيعُ مَا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَدِبَّ، وَإِمَّا أَنْ يَطِيرَ. وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مِنَ الْحَيَوَانِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِثْلَ حِيتَانِ الْبَحْرِ، وَسَائِرِ مَا يَسْبَحُ فِي الْمَاءِ وَيَعِيشُ فِيهِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 523
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست